twitterfacebookrssyoutube
الشيخ سلطان العويد -من التربية إلى التعليم
أحمد عبدالله الخضر
عدد الزوار
: 3774
تاريخ الإضافة
: 15 ربيع الآخر 1434

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين

قال تعالى : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) الرعد 41 قال ابن عباس رضي عنهما : بموت علمائها وفقهائها .
وقال جل في علاه : (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) قال الطبري رحمه الله : ( فأمات من شاء وما شاء ، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم )

وقال الحسن رحمه الله : موت العالم ثلمة في الإسلام لايسدها شيء ما اختلف الليل والنهار .

فالحمد لله لاراد لقضائه ولامعقب لحكمه ولاغالب لأمره سبحانه وبحمده جعل لكل أجل كتابا وللمنايا آجالا وأسبابا وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته . لقد رزئت المنطقة الشرقية قبل أيام في أحد علمائها الكرام وهو الشيخ سلطان بن حمد العويد الذي نذر نفسه للناس تعليما وتوجيها ونصحا وإرشادا نسأل الله عزوجل أن يتغمده بواسع رحمته وسحائب مغفرته حباه الله سبحانه وتعالى أسلوبا فذا في الكلام ومنطقا عذبا جميلا يأنس به كل من جالسه ولذا تجد لكلامه طريقا لقلوب السامعين ، وكأني به بأبي حمزة السكري رحمه الله الذي ترجم له الإمام الذهبي في سيره قائلا : ( الحافظ الإمام الحجة محمد بن ميمون المروزي ....... ولم يكن يبيع السكر ، وإنما سمي السكري لحلاوة كلامه ..... ولما أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره فقيل له بكم ؟ قال : بألفين ثمن الدار ، وبألفين جوار أبي حمزة . فبلغ ذلك أبا حمزة ، فوجه إليه بأربعة آلاف وقال : لاتبع دارك )

نعم هكذا كنا نرى شيخنا أبا أحمد رحمه الله سكريا في حديثه ، سكريا في تعامله مع الآخرين ، سكريا مع جيرانه ، سكريا في دروسه ومحاضراته .

عرفت الشيخ منذ كنت طالبا في الصف الأول الثانوي عام 1406هـ حيث جمعتنا مكتبة جامع ابن تيمية الخيرية بمدينة الثقبة وكان هو عليه رحمة الله أحد المشرفين علينا وهو في بداية دراسته الجامعية وقد أعجبنا منه عذوبة كلامه وحسن منطقه ودعابته التي لاتمل . وقد أولاني وبعض زملائي اهتماما خاصا رحمه الله طمعا لأن نكون ذوي شأن في خدمة الدين ونرجو أن نكون كما ظن بنا عليه رحمة الله ، وواصل عنايته بي وبزملائي بعد انتقالنا للدراسة الجامعية في كلية الشريعة بالأحساء حيث أدركناه وهو في سنته الدراسية الأخيرة فكان خير معين لنا بعد الله عزوجل في دراستنا وتنشئتنا العلمية والتربوية .

ومن فضل الله علي أن الشيخ كان يصطحبني معه أحيانا لقضاء بعض شأنه في المرحلة الجامعية خاصة فكانت فرصة لي لأنهل من علمه وأدبه.
وهناك مواقف خالدة لا تنسى علقت بذهني لما فيها من دروس تربوية وعلمية ستبقى نبراسا مضيئا تدل على علم الشيخ وحسن تعامله وعذوبة كلامه، أسطرها من المرحلتين الثانوية والجامعية.

كان رحمه الله يعقد لنا دروس تقوية في مادة النحو العربي في المرحلة الثانوية وكان هذا حرصا منه على دراستنا وقد كان رحمه الله متمكنا من دروس النحو محبا للإعراب خاصة ، فكان يحرص في أكثر جلساتنا معه أن يأتي بآية ويطلب منا إعرابها أو بيت شعر ويطلب منا إعراب كلمة فيه مما جعلني أحب اللغة العربية وأتخصص في قسمها في جامعة الإمام فرع الأحساء .

وكان رحمه الله في سفرنا معه ونحن في المرحلة الثانوية هو من يتولى قيادة الحافلة وكان يبث فينا الحماس وذلك من خلال إنشاده لنا الأناشيد الإسلامية الهادفة التي تدعو للتوبة وترك المعاصي ، وكان يطرد الملل عنا بشيء من الدعابة التي يجيد فن طرحها رحمه الله .

وفي جميع سفراتنا معه ( في المرحلتين ) كان يحرص على أن نلتقي بأهل العلم في البلد الذي نسافر عليه فمرة رتب لنا حضور درس لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، وفي أخرى قمنا بزيارة للشيخ عبدالله بن قعود رحمه الله في منزله ، وإذا سافرنا لمكة في رمضان يحرص رحمه الله أن يستضيف العلماء والدعاة الموجودين فيها فزارنا على سبيل المثال من المشايخ ( سفر الحوالي – ناصر العمر – عبدالرحمن المحمود – محمد سعيد القحطاني – أبو إسحاق الحويني ....) وفي القصيم اجتمعنا بالعلامة ابن عثيمين رحمه الله والشيخ سلمان العودة . وغيرهم من مشاهير الدعاة الذين كنا نسمع بهم ولم نتمكن من مشاهدتهم إلا مع الشيخ رفع الله درجته في الجنة ، ولك أن تتخيل مدى الفائدة العلمية والإيمانية والتربوية التي نخرج بها بعد كل لقاء فنسال الله عزوجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة .

ولم يقتصر في تنظيم رحلاته على أداء العمرة والرحلات البرية فحسب بل كان ينظم لنا زيارات لمعارض الكتاب ولبعض المكتبات الكبيرة مثل مكتبة الرشد بالرياض حرصا منه على أن يكون طالب العلم مكتبة علمية متكاملة شاملة لأمهات المراجع ، فكان يختار لنا أفضل الطبعات وأصحها ، ولا أنسى عندما وجهنا لشراء كتاب ( القبس في شرح موطأ مالك ابن أنس ) أول ماطبع الكتاب خشية نفاد النسخ .
ومن مواقفي الشخصية معه التي تدل على علمه وهو مازال طالبا جامعيا أني كنت معه مرة في الحرم المكي والتقينا الشيخ ناصر العمر حفظه الله وكان حوله من يستفتيه فأشار للشيخ سلطان رحمه الله وقال للسائل اسأل الشيخ سلطان فإنه فقيه .

ومرة صحبني معه بعد صلاة الفجر لحضور درس فقهي لأحد القضاة في مدينتنا الثقبة وكان الدرس في منار السبيل فلما وصل القارئ لأحد الأحاديث في الكتاب استأذن الشيخ سلطان بالكلام فقال ( أحسن الله إليك ياشيخ هذا الحديث ضعيف وقد بين ضعفه الشيخ الألباني ...... ) فالتفت الشيخ ( القاضي ) إلى جهة الصوت وقد كان كفيفا فقال : ( من الأخ سلطان ؟!) فرد الشيخ رحمه الله بنعم . فقال له الشيخ ( القاضي ) في آخر الدرس : لاتحرمنا من حضورك وفوائدك في المرات القادمة بارك الله فيك .

ولما كنت في الصف الأول الثانوي كنت مولعا بحب لعبة كرة القدم وتزامن مرة يوم رحلة لنا في المكتبة الخيرية مع مباراة نهائية في دوري الحواري وكانت رحلتنا لمدة يومين الأربعاء والخميس فقلت للمشرفين لابد من حضوري المباراة غدا الخميس فقام الشيخ – رفع الله درجته – في اليوم التالي بإيصالي للبيت من أجل حضور المباراة وكانت المسافة بعيدة وطوال الطريق لم يعنفني أو يلمني على قطع الرحلة من أجل المباراة أو يقلل من شأنها في نفسي بل لم يتطرق لها في حديثه معي البتة ، فكان لهذا الموقف الأثر البالغ في نفسي بعد ذلك واستفدت منه في تعاملي مع طلابي إلى هذه اللحظة .

حججت مع الشيخ غفر الله له عامين متتاليين ( 1406-1407هـ ) فلا تسل عن الخلق والأدب والعلم والحرص على خدمة إخوانه ولا أنسى عندما قام رحمه الله بتفسير سورة الواقعة بأسلوب علمي إيماني تربوي قل أن تسمع مثله .

وبعد تخرجي من الجامعة يسر الله لي إمامة مسجد في مدينة الثقبة قريبا من بيت والد الشيخ عليهما رحمة الله فكلما زار الشيخ سلطان والديه يحرص على أن يصلي معي فكنت أقدمه للإمامة وبعد الصلاة يقوم بتفسير الآيات التي قرأها في الصلاة بأسلوب لم يسمع المصلون بمثله ، وكنت أتواصل معه عبر الهاتف مستفتيا ومسترشدا فما مل مني ولا استثقل اتصالاتي المتكررة عليه أسال المولى عزوجل أن يرفع درجته في عليين .

وبعد هذه لمحة سريعة لجزء من حياتنا مع الشيخ سلطان العويد رحمه الله في مقتبل العمر حرصت أن تكون في الجانب التربوي وأما الجانب العلمي فله أهله من طلاب الشيخ الذين تتلمذوا على يديه وأعانهم الله على إبراز دوره العلمي ونشر تراثه من دروس ومحاضرات وخطب بين الناس .

وأختم بهذه الحادثة فبعد دفن الشيخ رحمه الله جاءني عامل( هندي الجنسية ) يعمل في المطعم القريب من بيت والد الشيخ جاءني بعد صلاة العشاء في مسجدي وهو يبكي ويقول ( خسارة موت الشيخ خسارة) نعم موتك خسارة يا أبا احمد ولكن عزاؤنا الوحيد أن من طلابك من سيقوم بجزء من مهامك في تدريس الناس وتعليمهم أمور دينهم . وأخيرا أرجو أن أكون قد وفقت في إجلاء بعض جوانب سيرة شيخنا رحمه الله .

شيخي ستبقى في ذاكرتي أدعو لك كلما ذكرتك وفي جنة الخلد الملتقى بإذن الله تعالى