twitterfacebookrssyoutube
مباركون .. بموتهم ! ( الشيخ سلطان العويد رحمه الله )
عبد الكريم با عبد الله
عدد الزوار
: 2941
تاريخ الإضافة
: 20 صفر 1434

ليس لأحد أن يكتب عن شخصية يدرك من فذاذتها إلا من عرفها وعايشها أو التقى بها بما يكفي أن يسطر دروساً من سيرتها ..

وحسبي إن لم يتيسر لي كل ذلك ، إلا أن أسطر من قطرات الحب التي ارتشفتها من فِيّ داعيةٍ مربٍّ عالم يبحث عن الإخلاص -فيما نحسبه- في مظانه ، بضع أحرفٍ هي عظةٌ وعبرة لمن سار على الطريق أو رام مقصدها في الدعوة والإصلاح .. حسبي أن أنتقي مما عرفته عن تلك الشخصية المباركة من غير غلوٍ ولا نكران .. شخصية الشيخ الذي مضى عصر يوم الأحد ١٨ من صفر ١٤٣٤هـ إلى ربه الكريم ليطوي آخر صفحة من العمل في هذه الدنيا التي قضى فيها زهاء ٤٦ عاماً عامرة بالشهود الأخيار والشيوخ الأبرار ، ذاك الشيخ سلطان بن حمد العويد رحمه الله وأنزله فسيح جنانه وأعلاها ..

تجلّت بعد لحظات من وفاته -رحمه الله- فيوض الخير وصنائع المعروف التي أسداها لأهل دعوته من عامة الناس والمصلين بمسجده وأهله وأصدقائه وطلابه البررة ومحبوه في الله من أهل العلم والفضل من داخل حاضرة الدمام وخارجها وخارج المملكة .. ولي مع ذلك وقفات وعبر يسيرات جريئات على من هم أقدم وأجدر بالحديث عنه وأوثق بالصلة به ، وما هي إلا تعبيراً عن الحب لمثل هذه القامة العلمية العاملة الموفقة ؛ لأعتبر من حياته لنفسي أولاً وأذكر به إخواني في إشارات تربوية :

-موت الرجل الصالح المصلح لا يعني انقطاع إرثه العلمي والعملي والدعوي الذي انتهجه في الناس ، كما لا يعني أن نصنع منه تمثالاً مقدَّس فإن مات آخر صنعنا له مثل ذلك ؛ وإنما نقصد العبرة نستلهمها لأنفسنا ، فالمؤمن له من الموت عبرة وعظة وتذكرة ، فكيف إن وقع الموت على من تستغفر له الحيتان في البحر والنمل في جحورها..؟! لا شك أنها فاجعة ، نسأل الله أن يخلف الأمة خير منها ويجبرنا في مصابنا .

-الإخلاص عزيز ونوازعه كثيرة ، وكان من خفاء الشيخ وعدم ظهوره إعلامياً ما يغري -ربما- الجاهل بأن يظن فيه عدم الأهلية للظهور أو قلة العلم ، ولكن حين فوّت الشيخ رحمه الله الظهور الإعلامي وغاب عن العدسات ؛ لم تفوّته ألسنة الشاهدين له بالخير والعلم والدعوة (أنتم شهداء الله في أرضه).. فقد شهدوا له بأكثر من ذلك دون حاجة للأضواء ..

-قامات الدعوة وشوامخها تأسست على قواعد متينة وتدرّجت في التعلم والتربية والعمل ؛ حتى وضعت لها قدماً ثابتة ومنهجاً متزناً في التعليم والدعوة والتربية ، فالاصطبار على طول عهد التربية والتدرج في تزكية النفس وتحمّلها مشاق الدعوة ، تمنح الإنسان -بتوفيق الله- الثبات وتسنُّم المنبر الدعوي المؤثِّر .. فالشيخ عاصر طلائع الدعوة في حاضرته يوم كان طالباً وبزَّ باهتمامه العلمي وقتها ، وحسن معشره لأصحابه وتواضعه.. وكأنه يرمق منبره من بعيد.. وقد ترك الإعادة في جامعته وتقدّم للعمل في "الدعوة والإرشاد" بالدمام سدّاً للثغرة وبذلاً للدعوة العامة والتعليم.. وكان له ما يريد ..

وهذا الفقه والميزان في تقدير مصالح الدعوة الذي نرجوه من طلائع الجيل الجديد اليوم ..

-نتعلَّم أن الإسلام إيمان واستقامة ، لا ينفك أحدهما عن الآخر (قل آمنت بالله ثم استقم) ، وما يشهده الناس من حال الداعية وسلوكه المستقيم لا يقتصر على أعمال دعوية ظاهرة جعلت منه رمزاً دعوياً ، وإنما حال دائمة في شهود الناس وغيابهم ، فالإسرار بالنصيحة والدعوة وبذلها ، ومعاشرة الآخرين بالخلق الجميل ، ومشاركتهم اهتماماتهم وهمومهم وتفقدهم وتشجيع الخير فيهم ورد المنكر عنهم... كل ذلك وأكثر يصنع نموذجاً للمسلم العامل بما علم ، وهذا ما لمسنا طرفاً منه من سيرة الشيخ رحمه الله ، وتقبّله منه .

-حري بالمؤمن أن يُعد للرحيل عدّته ، ويفتّش في زاده ما ينتفع به ويبلغه الدار الآخرة بأمان الله ، فذكر الموت ربما طرق أسماعنا لكن هل نحن نتذكره بأنفسنا لأنفسنا ونكثر من ذلك ؛ ليكون سبباً في صلاح نياتنا وتصحيح أفكارنا وقلوبنا وجوارحنا ، أم أننا في كل يوم نستزيد من المحذور فألهانا التكاثر ؛ متع الدنيا وملذاتها وكأن شيئاً منها سيرحل معنا ؟! وقصّرنا في المأمور (أكثروا من ذكر هادم اللذات) ..

-المؤمن له من عمله الصالح ما يتقبّله الله منه سواء ظهر للناس أو خفي ، وأعظم الأعمال على القلب في تزكيته وإخلاصه ونفعه ما كان سراً واجتهد العبد على إخفائه ، فليس الذكر الطيب بعد الموت إلا عاجل بشرى المؤمن لصلاح أمره في الدنيا بما شهد له الناس فيرجى له عند الله الأجر والثواب وحسن العاقبة ..

نسأل الله أن يجعل لنا العبرة والعظة فيمن مضى ، فمن مضى فقد مضى والمعتبر فيمن بقي كيف يتقي !

هذه الوقفات القصيرة بمثابة تذكير لنفسي ولإخواني السالكين سبيل الدعوة وحمل همّ الأمة وإعزازها ، وكم نحتاج أن نقف مع دروس القدوات ونبرزها للجيل ، وعلى طليعتهم سيرة نبينا صلى الله عليه وعلى وصحبه وسلم .
اللهم ارحم علمائنا ومشائخنا ودعاتنا ومربينا ومن له فضل علينا في كثير أو قليل ..